البحر يتسوّلُ في الشوارع
الرمال تطردُ الرصيفَ من عهدةِ الظلّ
الخيول تبيع الحمحمة وتنام ..
الأجوبةُ تخلع سراويلها
وتمشي خرساء على شاطئ الليل
الأسئلة تطلق الرصاص في الهواء ..
وتنتحر ..
* * *
سأتركُ فوق الرصيفِ انحنائي وأمضي
منَ الصعبِ أن يفهمَ الميتونَ لماذا أدقُّ الهواء بكفّي
وأرمي السلامَ الأخيرَ على بابِ حتفي
من الصعبِ أن تستريحَ الحكايا إلى ما تراءى
أخبّئُ في الصدرِ وجهي وأبكي
تعرّيتُ من كلِّ شيءٍ
وكانَ الهواءُ على ساحةِ الصمتِ يمتصُّ وجهي
ويهطلُ ثلجُ البكاء انحناءً ..
رأيتُ الذي قد رأيتُ
على سدّةِ الموتِ نمتُ
من الماء للماء عدتُ
بحثتُ فغابَ الذي قد وجدتُ
وفي ساحة الليلِ والويلِ ضعتُ
هو الصمتُ يكسر ما قد تبقّى
خرجتُ وكنتُ الشبابيكَ كنتُ الرصيفَ
زرعتُ الشوارعَ ثمَ انزرعتُ على بابِ طيفٍ قديمٍ
رجعتُ قليلاً إلى ما انقضى
دخلتُ الزمانَ الذي قدْ مضى
// تمرّ الوجوهُ التي أدمنتني
تمرُّ الشوارعُ والذكرياتُ
أطول من النبض حينَ تحنُّ الحكاياتُ نبضاً
أصافحُ كلَّ الأكفّ .. ألمُّ الرصيفَ
البيوتَ .. هطولَ الأغاني ..
أطيِّرُ في الجوِّ حتى حدودِ السماءِ رفوفَ الأماني
وتكبر تنمو الحكاياتُ في كلِّ شبرٍ
تجيءُ الزهور صلاةً ..
ولحناً شجيّا ..
تمرّ الوجوهُ التي أدمنتني ..
تمرُّ القلوبُ وتنبضُ .. تنبضُ .. تنبضُ
تنبضُ .. // ..
حينَ ارتطمتُ بهذا الزمانِ انتبهتُ
وكانتْ خطايَ وكانَ الرصيفُ
سألتُ لماذا تنوحُ المصابيح والريحُ تعوي
ومن أطفأ الوقتَ فينا ؟؟!!
هو الصمتُ يكسرُ ما قد تبقّى
أخذتُ أدقُّ الهواء بكفّي
وما بين ظلي وحتفي ..
سقطتُ على بابِ روحي
سقطتُ فنامَ الزمانُ المكانُ
سقطتُ قتيلاً قتيلاً .. قتيلا ..
وكنتُ أسيرُ ورائي
أطأطئ رأسي ونفسي
ورائي ..
وفي كلِّ بابٍ ..
على كلِّ بابٍ ..
تَراءَتْ دمائي ..
* * *
كانَ الوقتُ مثل اختناق الحلم الأخير
عقربانِ وبقيةٌ من شروخ
لماذا تحفرُ المدية في القلب تماماً ..
الريح قافلةُ اصفرار
ويبقى أنّ الأشياء لا تموء
من المضحكِ جداً أن يضع البحر على رأسهِ قبعةً من حديدْ
* * *
في مطلعٍ للصمتِ أو للموتِ سلَّمَتِ الشوارعُ حلمَها
أو همَّها
فاصطادني في لحظةِ الوهمِ السلام على المكانِ
تيبستْ كفي ولم أدركْ لماذا أشتهي في لحظةِ النومِ الأخيرِ حكايةً
أتذكرُ الآنَ انشطارَ القلبِ لم أحفظْ تفاصيلَ الروايةِ ..
كنتُ .. أو كانتْ .. ولمْ ..
/ في لحظةِ العشقِ الحميم تقومُ في شباكها تلقي السلامَ على المكانِ
تطولُ سرّتها وتفرطُ في مساءِ الروحِ رمّانَ الزمانِ وتنطوي مثلَ الشراعِ
تلمّ أغنيتي وترحلُ في فضاءِ الروح تأخذني إلى حقلينِ من زهرِ البنفسج
وانتباهِ البحر في فيضِ السلامِ وغصّتي كنتُ الشراعَ وكانتِ الأرضُ
الذراعَ وحقلنا كان انتباهَ الفجرِ لم أحفظ تفاصيل البراري حينَ تنقرني
يداها ثمَّ تأخذني ولم تحمل سوى تفاحتينِ ونقطتينِ ورقصةَ العشاقِ في
فصلِ الشروع بهمسةِ الزمن الجميلْ / ..
في لحظةٍ ..
كانَ الزمانُ يعومُ في فصلِ الرجوع لدمعتي
يصطكُّ في ذاكَ الرصيفِ العائمِ الوقتُ المؤجَّلُ
ثمّ أعزفُ آخر الألحانِ .. أصطادُ الذبابَ
وأشتهي في لحظةِ النوم الأخيرِ حكايةً ..
يتضاحك الوجهُ .. الملامحُ ..
يختفي من صدرها الرمّانُ في زمن الصحارى
كنتُ أبكي ..
أو أشتهي أن أرفعَ الرأسَ المبدَّدَ في الظلام المرِّ
يا هذا الزمانْ .. وأنحني
تلكَ التفاصيلُ ..
ارتماءُ البحرِ في كفِّ الغريبِ ..
يشدّني الوحلُ الذبابُ .. وأنحني
وأمدُّ خطوي ثم أرفع قامتي
فتضيعُ في وحلِ الطريقِ وأنحني ..
وأصيحُ منْ .. منْ يرتدي .. ؟؟
لحمي ومنْ .. منْ يرتدي ؟؟
سأبيعُ مفتاحَ القصيدةِ فادخلوا
وأبيعُ مفتاحَ البداية فادخلوا ..
وأبيعُ مفتاح النهايةِ فادخلوا ..
…. / وجهي على المرآةِ تنشطرُ الحكاية والظلالُ .. أصيحُ لا ..
أنفاسيَ الجمرُ اندفاعُ البحرِ في لغتي .. ولا ..
ماذا إذا احترقَ الزمانُ على الأصابعِ واشتهى الظلُّ المكانَ وأدمنَ
العشاقُ
أن تمضي البداياتُ السريعةُ .. وانتهى .. ماذا إذا ..؟؟ / ….
لا لَنْ أبيعْ ..
… ويطلُّ ظلُّ الريح تعوي
آهٍ وَهَلْ .. هَلْ تستطيعْ
يا أنتّ حتى أن تبيعْ .. ؟؟
سرقوكَ من كلِ الفواصل وانتهى ..
* * *
بينَ قطرةِ الماء وقطرة الحبر مشنقة
أحياناً كان يخرج الموتى إلى الشارع الخلفيّ
يقصّونَ على المارةِ حكاياتٍ مضحكةً
المارة عادة لا يضحكون .. !! ..
يحملون أقدامهم ـ حينَ يجدونها ـ ويركضون ..!!
دائماً يتساءلُ الموتى لماذا لا يضحكُ هؤلاء ؟؟
في المرّة الأخيرةِ ..
حينَ خرج الموتى إلى الشارع الخلفيّ
ثم إلى الشوارع كلّها
ذهلوا تماماً !!..
كانت الشوارع .. الشبابيك .. البيوت ..
تزدحم بالأموات !! ..
وقتها أخذ الموتى يبكون بحرقة
ثم حملوا أقدامهم وعريهم ..
وأخذوا يركضون !!..
* * *
أطوفُ وطيف الحكاياتِ يهوي ..
أمدُّ إلى الظلِّ رأسي ..
وأشعرُ أنّي أضيقُ .. تضيقُ يدايَ .. تضيقُ ملامحُ وجهي ..
تضيق امتداداتُ ظلّي .. أصيرُ بحجم الأصابع أرتدُّ
أشعرُ أنَّ المسافاتِ تمتدُّ
أغرقُ في الظلِّ أنهدُّ
أسحبُ خطوي ..
أحاولَ أن أستعيدَ حدودَ الزمانِ
حدودَ المكانِ ..
فأهوي ..
يطولُ الطريقُ وينهدُّ خطوي
أضيقُ وأصغرُ .. أصغرُ ..
أسألُ منْ أسرجَ الريحَ حتى استفاضتْ ؟؟
وراحتْ تمدّدُ كلّ اتجاهٍ
تشظيتُ فوقَ الرصيف انحناءً
وكنتُ أضيقُ .. أضيقُ
تضيقُ يدايَ .. امتداداتُ جسمي
صرختُ لماذا ؟؟ ..
تنادى السؤال : لماذا ؟ .. لماذا .. لماذا ؟!
أدورُ أحاولُ أن أسبيحَ من الكأس قطرةَ ماءٍ
ألفُّ ذراعي .. وصدري .. فأهوي ..
يصفّقُ في القاع وجهي
أصيح أعيدوا إليَّ امتدادي وحجمي !!
تصيحُ المسافاتُ : حجمي .. وحجمي .. وحجمي !!
أصيحُ : لماذا ..
لماذا تضاءلتُ .. ثمَّ انحنيتُ ..
ومن دحرجَ البحرَ عن سدّةِ العمرِ ؟!!
من أخرجَ العطرَ من دفقةِ الزَّهرِ ؟!!
منْ أوقفَ الذكرياتْ ..
ومنْ أجفلَ الخيل حتى ترامتْ على الدربِ قتلى ؟!!
أحاولُ أن أستفيضَ قليلاً ..
فتصهلُ كلُّ خيولِ البكاءِ انكسارا
أمدُّ كلُّ الجهاتِ انحدارا ..
أمدُّ الأصابعَ نحوي ..
أرى كيفَ ضاقتْ مسافاتُ جسمي
وكيفَ انكسرتُ انطرحتُ على بابِ جرحي قتيلاً ..
لماذا أضيقُ .. تضيقُ يدايَ ..
وأصغرُ .. أصغرُ .. ثم لماذا ..؟؟!!
على سكةِ الريح وحلٌ .. ونملٌ ..
يسير بطيئاً .. بطيئاً ..
تثاءبتُ ثمّ اقتلعتُ قليلاً من الوقتِ
حين انتبهتُ رأيتُ خطايَ ارتطاماً بخطوي !!
وكنتُ أضيقُ .. تضيقُ امتداداتُ ظلّي ..
تضيقُ خطايَ ..
تصيرُ النهاياتُ حقلاً يعضُّ الذبابُ عليهِ
هو الصمتُ يكسر ما قد تبقّى ..
تضيق يدايَ .. تضيق خطايَ ..!! ..
وأصغرُ .. أصغرُ .. أهوي ..
ويسقط في الكأس رأسي ..
وفي الرأس كأسي ..
وفي الصمتِ نفسي ..!! ..
* * *
لا أحد يريد أن يشعلَ فتيل الأغنية
أصابع الدالية تبحث عن زجاجة بحجم الريح
الغيوم تدخّنُ لفافةَ صيفٍ وتسرق المطر من جيب الشتاء
العصفور يصطاد قفصاً ويرفض أن يخرج منه ..
يزحف النمل نحو النار ويلتهم آخر جمرةٍ وينام
يطفئ الليل شمعة الصباح ويغسل قدميهِ برماد الأمنيات
هكذا اغتيلت الحكاية واستفاقَ الصمت ..!!..
* * *
ما كانَ لي أن أرتدي
أو أهتدي ..
فالضوء في جرس الحقيقةِ مطفأٌ
والماءُ في فيء الحديقة مطفأٌ
يتسرّبُ النور الأخيرُ على الجدار ويمَّحي
يتسرّبُ الحبر الأخير على الحروف فتمحي
كلّ التفاصيل الحميمة لحمها مرٌّ
ومرٌّ كلُّ ما تركَ الزمانُ على الرصيفِ
ومرّةٌ كلُّ الدروبِ ..
ومرَّةٌ ..
كفي تيبَّس والخرابُ يطال كلَّ حكايةٍ
قلتُ : الزمانُ يقصُّ أجنحتي ويعوي في دمي
قالَ : ابتعدْ .. فالصمتُ يمتدُّ انحناءً .. وابتعدْ
ستكونُ للخطواتِ رائحةُ التوجُّعِ
وانكسارُ الريحِ في رئةِ المكانِ
وصرخةُ العيش المبدَّدِ .. فابتعدْ
قلتُ : الحكايةُ .. طلقةُ الحناءِ
فاقرأْ قصّةَ الزمنِ المعبّأ بالنشيدِ
ظلالَ أغنيةٍ .. أعدْ ..
قالَ : الملامحُ أبحرتْ ..
والريح نائمةٌ ووجهُ الأرض مسكونٌ بظلِّ نهايةٍ جرداءَ
والسيفُ الممدَّدُ يرتعدْ
قلتُ : الملامحُ قد تعودُ لأصلها ..
وتردُّ ألوانَ الربيعِ الحلوِ
أسرجْها .. استعدْ ..
منها الذي يأتي .. أعدْ
قالَ : الملامحُ أبحرتْ
لن تستعيدَ فصولها
وهطولها ..
قلتُ : الملامحُ أبحرتْ
قلْ لي إذنْ !!..
منْ يشتري حبراً لفوضانا ..؟؟
قمراً أخيراً واحداً ..
كي يرتوي في الليلِ موتانا ..
قل لي إذنْ ..
من يشتري ناقوس ذكرانا ؟؟!!
قالَ : ابتعدْ ..
واحمل إلى الظلِّ الكلامْ
وأقرأْ على أجراسنا
أحلامنا ..
ناقوسنا ..
أشواقنا
وعلى حكايتنا السلامْ !!
فأنا أتيتُ لكي أنامْ ..
قلتُ : الملامحُ أبحرتْ
قلبي يحاول أن ينوح فتهربُ الشطآنُ
ترتعشُ الظلال وتمِّحي
أمشي إلى ذاتي قليلاً ..
ينهضُ البحر المؤجَّلُ والمطالع كلها تمشي معي
أرتدّ نحو الشمسِ آخذها معي
أرتدْ نحو الأغنياتِ
أمدّ في الوقت الجميلِ أصابعي
أمشي على درب الحنينِ أشدّهُ
فيفيضُ أغنيةً ويختصرُ المسافةَ يرتوي
أمضي إلى زمن الجذورِ
وأسرجُ الخيلَ .. البيوتَ
قوافلَ الحنّاءِ .. كلَّ فواصلِ البحرِ..
المخبّأ في الجبينِ .. وأضلعي
من كلِّ زاويةٍ يطلُّ القادمونَ
من الزمانِ إلى المكانِ
من المكانِ إلى الزمانِ
ويدخلونَ البحرَ حنّاءً معي
يمتدُّ فصلُ حكايتي
فالبحرُ بعض مطالعي
والضوءُ جلدُ أصابعي
قالَ : ابتعدْ
فأنا أتيتُ لكي أنامْ
قلتُ : المرايا فوقَ نافذتي حطامْ
والريحُ فوقَ وسادتي
نامتْ يهدهدها الظلامْ
قالَ : ابتعدْ ..
واقرأْ أغانيكَ الأخيرةَ
كيفَ شئتَ .. ولا تُعدْ
فأنا أتيتُ لكي أنامْ !!
قلتُ : ارتعشتُ وظلُّ قافلتي دمي
أشرعتُ أحلامي ..
ركضتُ ورحتُ من ظمأ
أعبُّ مسافةَ الظلِّ الأخيرةَ
أرتمي حتى العظامِ على الرصيفِ أضمّهُ
أبكي اشتهاءً أن تجيءَ الشمسُ من وجهٍ بعيدٍ
أرتمي حتى احتراقي ..
كي أعودَ إلى دمي ..
يتضاحكُ الوهمُ السرابُ .. وأنحني
تنهدُّ في اللحم العظامُ ..
أروح من ألمٍ أصيحُ
أموتُ مراتٍ أصيحُ
وتختفي في الظلِّ قافلتي وقدْ ..!!
سقطَ الحريقُ على الجسدْ !!
وامتدَّ في الطرقاتِ ما أبقى الزمانُ على المكانِ من الزّبدْ
قالَ : ابتعدْ
فأنا أتيتُ لكي أنام ..
قلتُ : الحريقُ على الجسدْ
والريح يخنقها الزّبدْ
قالَ : ابتعدْ ..
قلتُ : ارتعاشُ القلبِ حنّاء المطرْ
هذا الرصيف يئن والشجر انطلاق الروح في حلم الوترْ
حين انحنيتُ على النوافذ كنتُ ألمسها فتبكي ثم تنهضُ كي تلمَّ
أصابعي
والخيل حين أضيء غرتها ببعض الوجهِ تنتفضُ انتشاءً ترتمي حتى دمي
وتضمني
أبكي اشتياقاً .. غصّةٌ في الحلقِ تخنقني
دمي شبّاكُ ذاكرةٍ تشدُّ ملامحي
قلبي على هذا الرصيفِ وأنحني ..
قالَ : ابتعدْ
قلتُ : الرصيفُ وأنحني
قال : ابتعدْ ..
قلتُ : اختنقتُ ولم أجدْ !!
قالَ : ابتعدْ ..
قلتُ : المكانْ
قالَ : السلامُ على الزمانِ على المكانْ !!
قلتُ : الرصيفُ الملحُ أشرعةٌ تهاوتْ .. وانحنتْ
كفّي وآخرُ طلقةٍ
قالَ : السلامُ على الزمانِ على المكانْ
قلتُ : السلام على الزمانِ على المكانِ
على المكانِ .. على الزمانِ ..
على المكانْ …
الرمال تطردُ الرصيفَ من عهدةِ الظلّ
الخيول تبيع الحمحمة وتنام ..
الأجوبةُ تخلع سراويلها
وتمشي خرساء على شاطئ الليل
الأسئلة تطلق الرصاص في الهواء ..
وتنتحر ..
* * *
سأتركُ فوق الرصيفِ انحنائي وأمضي
منَ الصعبِ أن يفهمَ الميتونَ لماذا أدقُّ الهواء بكفّي
وأرمي السلامَ الأخيرَ على بابِ حتفي
من الصعبِ أن تستريحَ الحكايا إلى ما تراءى
أخبّئُ في الصدرِ وجهي وأبكي
تعرّيتُ من كلِّ شيءٍ
وكانَ الهواءُ على ساحةِ الصمتِ يمتصُّ وجهي
ويهطلُ ثلجُ البكاء انحناءً ..
رأيتُ الذي قد رأيتُ
على سدّةِ الموتِ نمتُ
من الماء للماء عدتُ
بحثتُ فغابَ الذي قد وجدتُ
وفي ساحة الليلِ والويلِ ضعتُ
هو الصمتُ يكسر ما قد تبقّى
خرجتُ وكنتُ الشبابيكَ كنتُ الرصيفَ
زرعتُ الشوارعَ ثمَ انزرعتُ على بابِ طيفٍ قديمٍ
رجعتُ قليلاً إلى ما انقضى
دخلتُ الزمانَ الذي قدْ مضى
// تمرّ الوجوهُ التي أدمنتني
تمرُّ الشوارعُ والذكرياتُ
أطول من النبض حينَ تحنُّ الحكاياتُ نبضاً
أصافحُ كلَّ الأكفّ .. ألمُّ الرصيفَ
البيوتَ .. هطولَ الأغاني ..
أطيِّرُ في الجوِّ حتى حدودِ السماءِ رفوفَ الأماني
وتكبر تنمو الحكاياتُ في كلِّ شبرٍ
تجيءُ الزهور صلاةً ..
ولحناً شجيّا ..
تمرّ الوجوهُ التي أدمنتني ..
تمرُّ القلوبُ وتنبضُ .. تنبضُ .. تنبضُ
تنبضُ .. // ..
حينَ ارتطمتُ بهذا الزمانِ انتبهتُ
وكانتْ خطايَ وكانَ الرصيفُ
سألتُ لماذا تنوحُ المصابيح والريحُ تعوي
ومن أطفأ الوقتَ فينا ؟؟!!
هو الصمتُ يكسرُ ما قد تبقّى
أخذتُ أدقُّ الهواء بكفّي
وما بين ظلي وحتفي ..
سقطتُ على بابِ روحي
سقطتُ فنامَ الزمانُ المكانُ
سقطتُ قتيلاً قتيلاً .. قتيلا ..
وكنتُ أسيرُ ورائي
أطأطئ رأسي ونفسي
ورائي ..
وفي كلِّ بابٍ ..
على كلِّ بابٍ ..
تَراءَتْ دمائي ..
* * *
كانَ الوقتُ مثل اختناق الحلم الأخير
عقربانِ وبقيةٌ من شروخ
لماذا تحفرُ المدية في القلب تماماً ..
الريح قافلةُ اصفرار
ويبقى أنّ الأشياء لا تموء
من المضحكِ جداً أن يضع البحر على رأسهِ قبعةً من حديدْ
* * *
في مطلعٍ للصمتِ أو للموتِ سلَّمَتِ الشوارعُ حلمَها
أو همَّها
فاصطادني في لحظةِ الوهمِ السلام على المكانِ
تيبستْ كفي ولم أدركْ لماذا أشتهي في لحظةِ النومِ الأخيرِ حكايةً
أتذكرُ الآنَ انشطارَ القلبِ لم أحفظْ تفاصيلَ الروايةِ ..
كنتُ .. أو كانتْ .. ولمْ ..
/ في لحظةِ العشقِ الحميم تقومُ في شباكها تلقي السلامَ على المكانِ
تطولُ سرّتها وتفرطُ في مساءِ الروحِ رمّانَ الزمانِ وتنطوي مثلَ الشراعِ
تلمّ أغنيتي وترحلُ في فضاءِ الروح تأخذني إلى حقلينِ من زهرِ البنفسج
وانتباهِ البحر في فيضِ السلامِ وغصّتي كنتُ الشراعَ وكانتِ الأرضُ
الذراعَ وحقلنا كان انتباهَ الفجرِ لم أحفظ تفاصيل البراري حينَ تنقرني
يداها ثمَّ تأخذني ولم تحمل سوى تفاحتينِ ونقطتينِ ورقصةَ العشاقِ في
فصلِ الشروع بهمسةِ الزمن الجميلْ / ..
في لحظةٍ ..
كانَ الزمانُ يعومُ في فصلِ الرجوع لدمعتي
يصطكُّ في ذاكَ الرصيفِ العائمِ الوقتُ المؤجَّلُ
ثمّ أعزفُ آخر الألحانِ .. أصطادُ الذبابَ
وأشتهي في لحظةِ النوم الأخيرِ حكايةً ..
يتضاحك الوجهُ .. الملامحُ ..
يختفي من صدرها الرمّانُ في زمن الصحارى
كنتُ أبكي ..
أو أشتهي أن أرفعَ الرأسَ المبدَّدَ في الظلام المرِّ
يا هذا الزمانْ .. وأنحني
تلكَ التفاصيلُ ..
ارتماءُ البحرِ في كفِّ الغريبِ ..
يشدّني الوحلُ الذبابُ .. وأنحني
وأمدُّ خطوي ثم أرفع قامتي
فتضيعُ في وحلِ الطريقِ وأنحني ..
وأصيحُ منْ .. منْ يرتدي .. ؟؟
لحمي ومنْ .. منْ يرتدي ؟؟
سأبيعُ مفتاحَ القصيدةِ فادخلوا
وأبيعُ مفتاحَ البداية فادخلوا ..
وأبيعُ مفتاح النهايةِ فادخلوا ..
…. / وجهي على المرآةِ تنشطرُ الحكاية والظلالُ .. أصيحُ لا ..
أنفاسيَ الجمرُ اندفاعُ البحرِ في لغتي .. ولا ..
ماذا إذا احترقَ الزمانُ على الأصابعِ واشتهى الظلُّ المكانَ وأدمنَ
العشاقُ
أن تمضي البداياتُ السريعةُ .. وانتهى .. ماذا إذا ..؟؟ / ….
لا لَنْ أبيعْ ..
… ويطلُّ ظلُّ الريح تعوي
آهٍ وَهَلْ .. هَلْ تستطيعْ
يا أنتّ حتى أن تبيعْ .. ؟؟
سرقوكَ من كلِ الفواصل وانتهى ..
* * *
بينَ قطرةِ الماء وقطرة الحبر مشنقة
أحياناً كان يخرج الموتى إلى الشارع الخلفيّ
يقصّونَ على المارةِ حكاياتٍ مضحكةً
المارة عادة لا يضحكون .. !! ..
يحملون أقدامهم ـ حينَ يجدونها ـ ويركضون ..!!
دائماً يتساءلُ الموتى لماذا لا يضحكُ هؤلاء ؟؟
في المرّة الأخيرةِ ..
حينَ خرج الموتى إلى الشارع الخلفيّ
ثم إلى الشوارع كلّها
ذهلوا تماماً !!..
كانت الشوارع .. الشبابيك .. البيوت ..
تزدحم بالأموات !! ..
وقتها أخذ الموتى يبكون بحرقة
ثم حملوا أقدامهم وعريهم ..
وأخذوا يركضون !!..
* * *
أطوفُ وطيف الحكاياتِ يهوي ..
أمدُّ إلى الظلِّ رأسي ..
وأشعرُ أنّي أضيقُ .. تضيقُ يدايَ .. تضيقُ ملامحُ وجهي ..
تضيق امتداداتُ ظلّي .. أصيرُ بحجم الأصابع أرتدُّ
أشعرُ أنَّ المسافاتِ تمتدُّ
أغرقُ في الظلِّ أنهدُّ
أسحبُ خطوي ..
أحاولَ أن أستعيدَ حدودَ الزمانِ
حدودَ المكانِ ..
فأهوي ..
يطولُ الطريقُ وينهدُّ خطوي
أضيقُ وأصغرُ .. أصغرُ ..
أسألُ منْ أسرجَ الريحَ حتى استفاضتْ ؟؟
وراحتْ تمدّدُ كلّ اتجاهٍ
تشظيتُ فوقَ الرصيف انحناءً
وكنتُ أضيقُ .. أضيقُ
تضيقُ يدايَ .. امتداداتُ جسمي
صرختُ لماذا ؟؟ ..
تنادى السؤال : لماذا ؟ .. لماذا .. لماذا ؟!
أدورُ أحاولُ أن أسبيحَ من الكأس قطرةَ ماءٍ
ألفُّ ذراعي .. وصدري .. فأهوي ..
يصفّقُ في القاع وجهي
أصيح أعيدوا إليَّ امتدادي وحجمي !!
تصيحُ المسافاتُ : حجمي .. وحجمي .. وحجمي !!
أصيحُ : لماذا ..
لماذا تضاءلتُ .. ثمَّ انحنيتُ ..
ومن دحرجَ البحرَ عن سدّةِ العمرِ ؟!!
من أخرجَ العطرَ من دفقةِ الزَّهرِ ؟!!
منْ أوقفَ الذكرياتْ ..
ومنْ أجفلَ الخيل حتى ترامتْ على الدربِ قتلى ؟!!
أحاولُ أن أستفيضَ قليلاً ..
فتصهلُ كلُّ خيولِ البكاءِ انكسارا
أمدُّ كلُّ الجهاتِ انحدارا ..
أمدُّ الأصابعَ نحوي ..
أرى كيفَ ضاقتْ مسافاتُ جسمي
وكيفَ انكسرتُ انطرحتُ على بابِ جرحي قتيلاً ..
لماذا أضيقُ .. تضيقُ يدايَ ..
وأصغرُ .. أصغرُ .. ثم لماذا ..؟؟!!
على سكةِ الريح وحلٌ .. ونملٌ ..
يسير بطيئاً .. بطيئاً ..
تثاءبتُ ثمّ اقتلعتُ قليلاً من الوقتِ
حين انتبهتُ رأيتُ خطايَ ارتطاماً بخطوي !!
وكنتُ أضيقُ .. تضيقُ امتداداتُ ظلّي ..
تضيقُ خطايَ ..
تصيرُ النهاياتُ حقلاً يعضُّ الذبابُ عليهِ
هو الصمتُ يكسر ما قد تبقّى ..
تضيق يدايَ .. تضيق خطايَ ..!! ..
وأصغرُ .. أصغرُ .. أهوي ..
ويسقط في الكأس رأسي ..
وفي الرأس كأسي ..
وفي الصمتِ نفسي ..!! ..
* * *
لا أحد يريد أن يشعلَ فتيل الأغنية
أصابع الدالية تبحث عن زجاجة بحجم الريح
الغيوم تدخّنُ لفافةَ صيفٍ وتسرق المطر من جيب الشتاء
العصفور يصطاد قفصاً ويرفض أن يخرج منه ..
يزحف النمل نحو النار ويلتهم آخر جمرةٍ وينام
يطفئ الليل شمعة الصباح ويغسل قدميهِ برماد الأمنيات
هكذا اغتيلت الحكاية واستفاقَ الصمت ..!!..
* * *
ما كانَ لي أن أرتدي
أو أهتدي ..
فالضوء في جرس الحقيقةِ مطفأٌ
والماءُ في فيء الحديقة مطفأٌ
يتسرّبُ النور الأخيرُ على الجدار ويمَّحي
يتسرّبُ الحبر الأخير على الحروف فتمحي
كلّ التفاصيل الحميمة لحمها مرٌّ
ومرٌّ كلُّ ما تركَ الزمانُ على الرصيفِ
ومرّةٌ كلُّ الدروبِ ..
ومرَّةٌ ..
كفي تيبَّس والخرابُ يطال كلَّ حكايةٍ
قلتُ : الزمانُ يقصُّ أجنحتي ويعوي في دمي
قالَ : ابتعدْ .. فالصمتُ يمتدُّ انحناءً .. وابتعدْ
ستكونُ للخطواتِ رائحةُ التوجُّعِ
وانكسارُ الريحِ في رئةِ المكانِ
وصرخةُ العيش المبدَّدِ .. فابتعدْ
قلتُ : الحكايةُ .. طلقةُ الحناءِ
فاقرأْ قصّةَ الزمنِ المعبّأ بالنشيدِ
ظلالَ أغنيةٍ .. أعدْ ..
قالَ : الملامحُ أبحرتْ ..
والريح نائمةٌ ووجهُ الأرض مسكونٌ بظلِّ نهايةٍ جرداءَ
والسيفُ الممدَّدُ يرتعدْ
قلتُ : الملامحُ قد تعودُ لأصلها ..
وتردُّ ألوانَ الربيعِ الحلوِ
أسرجْها .. استعدْ ..
منها الذي يأتي .. أعدْ
قالَ : الملامحُ أبحرتْ
لن تستعيدَ فصولها
وهطولها ..
قلتُ : الملامحُ أبحرتْ
قلْ لي إذنْ !!..
منْ يشتري حبراً لفوضانا ..؟؟
قمراً أخيراً واحداً ..
كي يرتوي في الليلِ موتانا ..
قل لي إذنْ ..
من يشتري ناقوس ذكرانا ؟؟!!
قالَ : ابتعدْ ..
واحمل إلى الظلِّ الكلامْ
وأقرأْ على أجراسنا
أحلامنا ..
ناقوسنا ..
أشواقنا
وعلى حكايتنا السلامْ !!
فأنا أتيتُ لكي أنامْ ..
قلتُ : الملامحُ أبحرتْ
قلبي يحاول أن ينوح فتهربُ الشطآنُ
ترتعشُ الظلال وتمِّحي
أمشي إلى ذاتي قليلاً ..
ينهضُ البحر المؤجَّلُ والمطالع كلها تمشي معي
أرتدّ نحو الشمسِ آخذها معي
أرتدْ نحو الأغنياتِ
أمدّ في الوقت الجميلِ أصابعي
أمشي على درب الحنينِ أشدّهُ
فيفيضُ أغنيةً ويختصرُ المسافةَ يرتوي
أمضي إلى زمن الجذورِ
وأسرجُ الخيلَ .. البيوتَ
قوافلَ الحنّاءِ .. كلَّ فواصلِ البحرِ..
المخبّأ في الجبينِ .. وأضلعي
من كلِّ زاويةٍ يطلُّ القادمونَ
من الزمانِ إلى المكانِ
من المكانِ إلى الزمانِ
ويدخلونَ البحرَ حنّاءً معي
يمتدُّ فصلُ حكايتي
فالبحرُ بعض مطالعي
والضوءُ جلدُ أصابعي
قالَ : ابتعدْ
فأنا أتيتُ لكي أنامْ
قلتُ : المرايا فوقَ نافذتي حطامْ
والريحُ فوقَ وسادتي
نامتْ يهدهدها الظلامْ
قالَ : ابتعدْ ..
واقرأْ أغانيكَ الأخيرةَ
كيفَ شئتَ .. ولا تُعدْ
فأنا أتيتُ لكي أنامْ !!
قلتُ : ارتعشتُ وظلُّ قافلتي دمي
أشرعتُ أحلامي ..
ركضتُ ورحتُ من ظمأ
أعبُّ مسافةَ الظلِّ الأخيرةَ
أرتمي حتى العظامِ على الرصيفِ أضمّهُ
أبكي اشتهاءً أن تجيءَ الشمسُ من وجهٍ بعيدٍ
أرتمي حتى احتراقي ..
كي أعودَ إلى دمي ..
يتضاحكُ الوهمُ السرابُ .. وأنحني
تنهدُّ في اللحم العظامُ ..
أروح من ألمٍ أصيحُ
أموتُ مراتٍ أصيحُ
وتختفي في الظلِّ قافلتي وقدْ ..!!
سقطَ الحريقُ على الجسدْ !!
وامتدَّ في الطرقاتِ ما أبقى الزمانُ على المكانِ من الزّبدْ
قالَ : ابتعدْ
فأنا أتيتُ لكي أنام ..
قلتُ : الحريقُ على الجسدْ
والريح يخنقها الزّبدْ
قالَ : ابتعدْ ..
قلتُ : ارتعاشُ القلبِ حنّاء المطرْ
هذا الرصيف يئن والشجر انطلاق الروح في حلم الوترْ
حين انحنيتُ على النوافذ كنتُ ألمسها فتبكي ثم تنهضُ كي تلمَّ
أصابعي
والخيل حين أضيء غرتها ببعض الوجهِ تنتفضُ انتشاءً ترتمي حتى دمي
وتضمني
أبكي اشتياقاً .. غصّةٌ في الحلقِ تخنقني
دمي شبّاكُ ذاكرةٍ تشدُّ ملامحي
قلبي على هذا الرصيفِ وأنحني ..
قالَ : ابتعدْ
قلتُ : الرصيفُ وأنحني
قال : ابتعدْ ..
قلتُ : اختنقتُ ولم أجدْ !!
قالَ : ابتعدْ ..
قلتُ : المكانْ
قالَ : السلامُ على الزمانِ على المكانْ !!
قلتُ : الرصيفُ الملحُ أشرعةٌ تهاوتْ .. وانحنتْ
كفّي وآخرُ طلقةٍ
قالَ : السلامُ على الزمانِ على المكانْ
قلتُ : السلام على الزمانِ على المكانِ
على المكانِ .. على الزمانِ ..
على المكانْ …